الرمزية ودورها في جلاء المعني....
فيومضة :ظلي الذي سئم الغياب....
الشاعرة العراقية :يسرا الطائي.
قراءة د. أحمد بدير
تقول الشاعرة...
ظلي الذي سئم الغياب
وراودته علامات الترهل
ابي الانحناء....
وبات يساوم بآخر مايملك
من مسافات..ليوقظ الحياة
تمتاز هذه الومضة ببوح عالي النبرة، حيث استطاعت الشاعرة الوصول بالبنية الحوارية إلي مطلقها، واستخراج الحزن الساكن فيها....ذلك الحزن الذي بات أفق المناجاة وهيكلها.
وهو حزن لانكسار فيه ، بل قوة وشموخ،علي الرغم من كثرة الصور المأساوية التي تبعث علي الانكسار....!!!
حيث بلغ الحزن قمة الشموخ(أبي الانحناء ) فهو حزن يستبطن كل ألوان التحدي...إنه درس في الثبات والقوة والمقاومة لكل أشكال الانسحاق والهزيمة...
ونلاحظ ايضا أن الرمزية في هذه الومضة عالية جدا ، مما يجعلها انموذجا نلاحق به المعاني المتجمهرة ،أكثر من ملاحقتنا للموسيقي.
وهي ومضة وجدانية بامتياز..ففيها الخيال ضاربا في العمق...وتتجلي أهميته حين نري كيف أبدعت الشاعرة في تصوير مشاهد مألوفة في حياتنا لكنها بثت فيها الحياة والحركةوتخيلتها علي نحو فيه إثارة وطرافة ....حيث وصفت الظل بأنه .. سئم الغياب...
ثم حاولت جذب انتباه المتلقي ليبقى مشدودا متسائلا بالجملة التالية :وراودته....فاشتاقت النفس لمعرفة نوع المراودة ...ولمن تكون هذه المراودة؟
وتهيأت بأقصى أنواع التهيؤ...فكانت :علامات الترهل....هي الباعث على هدوء النفس وعودة الروح لها.
وللشكل أهمية كبرى لايختلف عن المضمون نري ذلك جليا في قول الشاعرة...
وبات يساوم بآخر مايملك
من مسافات..ليوقظ الحياة
هاتان النقطتان لو جاءتا في نهاية الجملة
لايختلف معناهماعن النقطة الواحدة التي ينتهي بها الكلام، ولكن ان جاءت بينية بصرية محذوفة تفكيكيا،فإن مفهومها الإيحائي عميق جدا.
وكأنني أسمع من خلالها صدي صوت المساومة الذي يأتي من مسافات بعيدة محملا بتنهيدات الشاعرة وزفرات ضجرها...
عل هذا الظل يوقظ الحياة ويبعثها بعثا جديدا...
لقد جعلت هاتان النقطتان تردادا لصدي الجملة الأخيرة (ليوقظ الحياة )وكأننا نسمعها تصيح في فيافي،تتلقي الجبال صياحها وتحوله الي صدي......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق