الجمعة، 16 مارس 2018

مجلة الوطن اتحاد االصوت الحر قصة @// رؤيا ابو شكيب //@ بقلم وليد .ع..العايش

- رؤيا أبو شكيب -
_________
لم يكن يحلم ذاك المنزل المنزوي على هاوية القرية إلا بثمار زيتون مازالت تحفر أخاديدها على أغصان الشجر، مطر تشرين يلهو مع الأوراق التي لا تخش السقوط، بينما كان الكلب ذو الصبحة السوداء يغفو في استراحة ماقبل حلول العتمة .
كان يومها أبو شكيب في العقد الثاني من العمر، السمرة تملأ وجنتيه، عيناه البنيتان تغرزان شيئا من الرعب في صفوف المارة، ترك تعليمه الابتدائي وبدأ مشوارا مختلفا .
لعل أجمل ما كنت أحب أن أسمعه منه ( يا خال ) فقد كانت تقع على أذني المتطاولة كوقوع رجل على أنثى طال غيابه عنها .
- كيف توفي والدك يا صديقي ...
- والدي أنا .... !!! ...
- نعم لقد حضر إلي أبو شكيب وجلب لك أغراض العزاء ...
تبسمت كثيرا حتى تحولت ابتسامتي إلى قهقهة، مما أصاب صديقي ومن معه بالمفاجأة التي لم يتوقعونها .
- ذاك هو والدي يسقي الأرض يا صديقي ... انظر إليه ...
- ولكن ... توفي ... قال لي بأنه توفي ... رحمه الله ...
صمت الرجل الملتحي قبل أن يعتذر مني , بينما نظراته تجوب أرجاء أصحابه الذين أتوا برفقته لتقديم واجب العزاء .
- لا عليك ياصديقي ... لا أريد ثمن الأغراض ... الحمد لله على سلامة الوالد ...
أدركت حينها بأنّ أبو شكيب قد لعِبَ لعبة القطّ والفأر مع صديقي .
انتظرتُ كثيرا كي أراه لكنه لم يأت, كان المطرُ مدراراً ذاك المساء عندما لاحَ شبحه من بعيد ...
- ماذا فعلت يا أبو شكيب ...
ضحك كثيراً حتى ظهرت أنيابه العميقة، قلبَ على قفاهُ, لم يتوقف عن الضحك حتى أعطاهُ ابني الصغير شُرْبَة ماء.
- لا عليك ياخالْ ... سأدفعُ له ثمن الأغراض ... ثم عاود ضحكه ...
- كيف أقنعته بوفاة والدي ... آه منك يا أبو شكيب .
ذهب في طريقه، بينما عدت إلى عملي في ذلك اليوم وأنا أضحك من فعلته الحمقاء .
في يوم عرسه هرب أبو شكيب، فتشنا عنه فإذا به متخفيا تحت جسر القرية .
- لا أحب الزواج ياخال ...
- لكن العرس قائم ياولد ... هيا إلى الحفلة ...
لم يرفض طلبي كما هي عادته كل مرة ، مضى العرس على خير،  وتحول الفتى الأسمر إلى زوج رغما عنه، يومها كانت الغيوم ترقص على أنغام الموسيقى المنبعثة من نافذة غرفته الصغيرة  .
لم تمض سهرة إلا وكنا نتحدث عن أفعاله مع هذا وذاك, ياله من ولد مجنون، قلت وأنا أقود سيارتي إلى العمل, فجأة انقطعت أخبار أبو شكيب، غابت عني تلك الكلمة المحببة إلى نفسي ( ياخال ), كل هواتفه كانت مغلقة، حتى أي من الأقارب لم يسعفني عنه بخبر .
خمس سنوات مرت وهو غائب، حاولت كثيرا أن أصل إليه لكن دون نتيجة، فقد توارى كما حبات مطر خجولة، بينما تركني تائها في بحر من الألم .
استيقظت على اهتزاز الهاتف النقال، كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، ارتعش قلبي، وربما ارتعشت كلي, قرأت على شاشة حمراء عبارة لم أعْتَدْ على قراءتها : ( إنّي رأيتُ في المنامِ بِأنّي أذبّحُكْ ... ), امتطيتُ صهوةَ نسمةٍ آتيةٍ من رحمِ الثرى, ثُمَّ تواريتُ خلفَ ظلّك : ( ياخاااااااااااال ) ...
__________
وليد.ع.العايش
13/3/2018م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق