الأربعاء، 14 فبراير 2018

مجلة الوطن اتحاد الصوت الحر @// الثعبان الاسود //@ للكاتبة رشا الجزائري

^ الثعبان الأسود ^
كانت تجلس بإحدى زوايا المكتبة تحتضن كتابا بين يديها ،تتفحصه كعادتها بعمق، فالإبحار في الكتب  عشقها الأبدي
و كان هو هناك يقف ببدلته السوداء الأنيقة،  يراقبها من بعيد بعينين لامعتين ،ثم ما لبث أن زحف نحوها بهدوء الى أن وقف أمامها.
ألقى التحية بكل لطف..رفعت بصرها نحوه لتتأكد من صاحب الصوت،إبتسم بعذوبة وقال..هل بإمكاني الجلوس ؟
كانت تستغرب جرأته فهي لم ترد بعد على التحية و إذا به يطلب الإذن بالجلوس...
مد يده سحب الكرسي المقابل لها و جلس،بدا عليها بعض الارتباك ،أما هو فلا يزال يحتفظ بابتسامته العذبة..
نظرت الى عينيه المستديرتين الصغيرتين فأصابتها قشعريرة من لونهما الأسود الغامض.. سرعان ما أشاحت بنظراتها تدسهما في الكتاب.
بدأ يسرد عليها حكايات إعجابه بها وتعلقه و مراقبته لها طوال مدة من الزمن..وراح يثني عليها وعلى جمالها وقوة شخصيتها.
أضاف يعترف لها في تملق أنها الفريدة من نوعها التي زلزلت كيانه و حركت مشاعره النائمة منذ سنوات، كان يراقب حركات الكتاب وهو يهتز بين يديها ،و يصعد بنظراته الى شفتيها المرتعشتين ثم الى عينيها ، ركز عليهما كثيرا حتى شعر بوقع كلامه في قلبها ، رأى الكتاب يفلت منها ليسقط على الأرض و رآها تتركه مسرعة الخطى تبتعد  الى الخارج..ظل في مكانه يبتسم وعيناه تلمعان و تتبعانها الى أن أختفت عن نظره.
توالت اللقاءات وبدأا يتعلقان ببعضهما أكثر
تعودت عليه كثيرا و أحبته وهي التي لم تحب رجلا قبل ، أما هو فكان يعرف من أي الأبواب يتسلل إليها ليفوز بقلبها المرهف.
في كل موعد كانا يلتقيان أصبح  يتفنن في الكلام  كما لم يتفنن شاعر في نسج قصيدة غزل.
و هي تتلاشى في عالمه ،  ربما كل الذي قرأته من قصص الحب العميقة هو من  جعلها تحلم أن تعيش قصة مماثلة، و جاء هو في الوقت المناسب لينقذ صمتها و تشردها بين الحروف فاستطاع أن يسيطر على قلبها وعقلها معا..لكن برغم ما تشعر به تجاهه لا تزال تتجنب النظر الى عينيه اللتين
تشعرانها بالقشعريرة و الخوف الشديد في كل مرة.
..سألته في إحدى المرات بعد تردد كبير
-لِمَ عيناك غامضتان منشقتان كعيني ....!؟
ثم توقفت عن الكلام فجأة. ...
فضحك وقال:كعيني ثعبان أليس هذا ما أردت قوله...؟
شعرت بالخجل منه ، فأضاف كلهم يقولون لي هذا لأنهم لا يحاولون التعمق فيهما أكثر....
تغيرت ملامحه فجأة و تسارعت أنفاسه فخشي أن تدرك حالته ، استأذن منها وغادر المكان بسرعة.
تعمد الغياب في اللقاء التالي ليشعل نار الشوق في صدرها و تغيب في الموعد الذي يليه و جاءها في المرة الثالثة ألقى أمامها بعض الأعذار و الحجج
و لأنها تعلقت به لدرجة شديدة و أدمنته حد الجنون ،صدقته لأنها تريد ذلك..
أحبت حلمها اللذيذ معه ،صارت تترك عقلها و تطعم قلبها ...فقط ليبقى الى جانبها..
مرت أيام و كرسيها بالمكتبة شاغرا و كتبها وحيدة باردة تشتاق لدفء يديها..
دخل هو ذات صباح في كامل أناقته، نظر الى المكان الذي تجلس فيه عادة، رسم إبتسامة عذبة وتقدم في لطف نحو صاحب المكتبة يسأله عنها ،فأعطاه الرجل جريدة كانت عليها صورتها وتحت الصورة كتب خبر يقول..
( وفاة فتاة في مقتبل العمر لتسارع شديد في دقات القلب جراء لدغة ثعبان..
وضع الجريدة في سلة المهملات التي على يمينه، أعتدل في وقفته، لمعت عيناه، رسم إبتسامته العذبة و توجه نحو إحدى الطاولات حيث كانت تجلس فتاة جميلة تحتضن كتابا.
بقلمي :رشا الجزائري /10/02/2018/باريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق