السبت، 14 يوليو 2018

بقلم الكاتب الاديب وليد .ع. العايش @// يوم ولد الطاعون //@ مجلة الوطن اتحاد الصوت الحر

- يوم ولِدَ الطاعون -
-------------
تلاعبتْ الرياح الشرقية ببقايا أوراق شجرة البيلسان، تلك البقايا التي تكاد أن تعلن استسلامها، العشبُ الأخضر يترامى خجلاً أمام رابيةٍ تحنُّ إلى دموع الشتاء .
بيتٌ نسجتْ خيوطه أصابعُ امرأةٍ بدويّة بألوان شكلّت لوحة إغريقية من حيثُ لا تدري، بينما موقدُ النار يلتهمُ طعامه الصباحي من عيدانِ الحطب، رائحةُ الأغنام تعبقُ بالمكان، شكوى الجيران لم تجدْ أذاناً صاغية لدى الرجل الأسمر , بقامته الطويلة , لقد تجاوز العقد السادس من العمر، أما زوجته فكانت ما تزل قبل الأربعين من سنيّ القحط .
أينَ الزوادة يا امراة ... ... أسرعي فإن الأغنام جائعة -
ها هي ذي ... فقط انتظر أن يغلي إبريق الشاي ... -
انتعل الرجل عصاه، وضع زوادته في أنفها ، ثمَّ أطلقَ صراخه المعتاد على القطيع المُتأهب للسفر الصباحي ...
ولدٌ صغير لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من عمره , يقفزُ على ظهرِ حمارٍ هَرِمْ ، الكلب يقوم بآخر جولاته الميدانية، لعله كان يتفقد بعض الخراف التي أمضت ليلتها دون نوم .
بدأت الظهيرةُ تتلاشى كما حبات رملٍ باغتتها أمطارٌ مُهاجِمةٌ من عُمقِ السماء، الدربُ الترابي ينثرُ غِباره كيفما شاء، القطيعُ مازال هناك يأخذُ قسطاً من الراحة، الراعي يتلطى تحت ظلّ شجرةِ ( غار ) ... لم يداهمها العجزُ حتى اليوم، بينما الطفل الصغير يصنعُ من الطين بيتاً صغيراً، وسيارة ذات عجلات ثلاثة ...
صراخُ الرياح يرتفع فجأة، تململَ الرجل الأسمر من جنبٍ إلى آخر، رمى الولد كل ما صنعه منذ الصباح، اتجه إلى شجرة الغار، نباحُ الكلب كان مختلفاً حينذاك، القطيعُ يتجمّهر ملتفاً على بعضه .
أبي ... ... أبي ... العاصفة قادمة من جهة الشرق ... أبي ... أبي انظر -
قفز الأب من مكانه ممتطياً عصاه، كان يظنُّ بأنّ حفنة لصوصٍ باغتتْ قطيعه ...
- ماذا ... ماذا هناك ياولد ...
- إنها العاصفةُ يا أبي ... دعنا نهرب قبل أن تبتلعنا , أخاف منها يا أبي ...
أنصت قليلاً، تجوّل بعينيه الثاقبتين في أرجاء المكان، أصوات لا تشبه أنين العاصفة
- إنها الذئاب ... الذئابُ ياولد ... ألا تُميزُ بينها وبين صوت العاصفة !!! ...
- اجمعْ القطيع بسرعة ... لنغادر المكان ...
- الذئابُ لا ترحمْ ...
قال آخر كلماته وهبَّ مسرعاً صوب القطيع ، منظرُ الدماء يُترِعُ الأفق، الأصوات امتزجت بِثُغاءِ الأغنام ، الكلبُ اختفى هو الآخر , احتضن طفله الخائف ثم انطلق إلى الجهة الأخرى , صرخ الحمار بأعلى صوته :
- أين تتركني يا صاحبي ... إنني عجوز لا أقوى على الهرب ... ستأكلني الذئاب ... أرجوك لا تتركني ...
ضاعت كلماته مع صدى الصحراء، بينما كان الراعي ينظر إلى الخلف بطرفِ عينه التي أدمعتْ للتوّ ...
- ماذا أتى مُبكراً بكم في هذا الوقت الباكر يارجل ... أين بقية القطيع , أين الحمار !!! ...
نظر إليها مُعاتباً، وهو مازال يلتحِفُ ابنهُ الصغير ، لحظاتُ صمتٍ مجنونة تلكَ التي مرّتْ، السكونُ يُخيّمُ على الجميع
نباح الكلب يصل متأخرا، لكنه كان يحمل ساقهُ اليمنى بِفمهِ ...
- لقد حضرَ الطاعون يا امرأة ... لقد حضر الطكاعون ) ... قالها ثُمَّ توارى خلف وسادة مُطرزةٍ بألوانِ دماءٍ ساخنة ...
--------------
وليد.ع.العايش
9/7/2018م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق